الصفحات

الخميس، 25 يوليو 2013

أحذر من تدمير شخصية طفلك




كان الأب والابن يسيران في أحد شوارع الدقي يتبادلان أطراف الحديث بجدية تامة، كانا ينظران أمامهما مباشرة وهما يسيران ويتبادلان الكلام كأنهما صديقين وليسا ابا وابنا فالطفل يتحدث برهة ثم يصمت ليتكلم الأب.. وهكذا بالتبادل، ولم تكن ملامح الأب تنم عن أي ضيق أو تململ أو عدم اهتمام.
كان طول الطفل يساوي نصف طول الأب تقريبا.. إلا أن خطواته كانت واثقة تسير جنبا إلى جنب مع خطوات والده ولم يكن الأب يمسك يد طفله أو يجره ورائه بشكل أو بآخر.
وفي المقابل كانت إحدى الأمهات على عجلة من أمرها إلا أن أبنائها كانوا يعيقون سرعتها، كانت تحمل على ذراعيها أقلهما سنا أما كبيرهما فقد كان يلهث ورائها، لا يستطيع اللحاق بها. كان ينادي عليها وهي كانت تقول له بصوت مرتفع يقترب إلى الصراخ "اجري يابني.. أنا إيه الـ خلاني أخدك معايا بس". وفي رد فعل على كلام والدته.. يزيد الابن من سرعته ليلحق بها فهو لا يريد أن تندم والدته على اصطحابها له تحسبا للمرة القادمة.. إلا أن خطواته الصغيرة تخونه مرة أخرى ليتراجع إلى الوراء ثانية.
الولدان في القصتين في نفس العمر تقريبا، إلا أنه في القصة الأولى الولد وابنه أجنبيان أما في القصة الثانية فالأم وابنيها مصريون بامتياز.
علمه فن الحوار
لا يوجد كثير من الآباء ممن يحاولون وفق خطة تربوية التحاور مع أبنائهم.. لإكسابهم فنون التحاور وكيفية احترام رأي الآخر، وكيف يدار نقاش حول قضية ما، مما يكسب الطفل ثقة غير متناهية في نفسه ويجعله قادرا على اعتماد النقاش والحوار وسيلة لإيجاد حلول وسط ترضي جميع الأطراف.
تقول ملك وهي أم لثلاثة أبناء: "عندما كنت حاملا في ابني الثاني ذهبت مع ابنتي الكبرى في نزهة أعتبرها تاريخية.. فقد قررت أن أمنحها وقتا لها وحدها نتحدث فيه سويا قبل أن ياتي المولود الثاني ويشاركها فيَّ.. وبالفعل ذهبنا إلى "وسط البلد" وجعلتها تمشي بجواري تجري مستمتعة على الرصيف.. كانت تحدثني بلباقة رغم عمرها الذي لم يتجاوز العامين والنصف.
ثم سألتها ماذا تريدين أن تأكلي فاختارت بتواضع "الكشري" لأنها تحبه، وبالفعل ذهبنا إلى المطعم وطلبت لها طبقا وحدها وأجلستها على الكرسي أمامي وأخذنا نتحدث أثناء تناولنا للطعام.
وكان حقيقة يوما لا ينسى وأعتقد أنه أثر فيها أيضا لأنها شعرت كم هي مهمة بالنسبة لي.. أما حاليا فانا أتمنى أن أعيد الكرة مع أبنائي كلهم.. وبشكل دوري، ولكنني على الأقل أتحاور معهم في المنزل بشكل لائق ومحترم".
"زياد" أب لابن واحد.. يقول: أخاف بشدة على ابني من أسلوب والدته معه.. فهي لا تتكلم معه ولكنها تصرخ في وجهه، وتتحدث عنه بشكل سىء أمامي فما إن تراني حتى تأخذ في سرد قصص المصائب التي تسبب فيها خلال اليوم بأكمله.. ألاحظ أن ابني في تراجع مستمر فأصبح عنيد وعصبي ولا يستمع للكلام، كما أنه أصبح غير واثق في نفسه تماما أمام أبناء عمومته.
أما "رشا" فتقول: أريد أن أتحاور مع أبنائي بشكل جيد حتى يجيدوا الحديث والكلام مع الآخرين وخاصة في المدرسة، فأنا أريد تدريبهم على كيفية النقاش وعدم تلقي الأوامر فقط لمجرد أن شخصا أكبر منهم أملاها عليهم.. بل لابد أن يناقشوه في كيفية ذلك وما هي أفضل طريقة لتحقيق ذلك.. ولكنني الحقيقة لا أعرف كيف أفعل ذلك وسط ضغط العمل والوقت؟.
"هند" تؤكد أن الآباء يعتمدون الطرق التربوية التي تربوا هم وفقها.. فالأب والأم يطبقان مع أبنائهم نفس الطريقة التي كان والديهم يمارسانها في التعامل معهم صغارا لأنها الخبرة الوحيدة التي يعرفونها، فإذا كانت تربية آبائهم بالصراخ فإنهم بالتأكيد سيصرخون في أبنائهم ويضربونهم أيضا.. وإذا تربوا باللين والدلال فسوف يفعلون المثل مع أطفالهم.
المشكلة كما ترى "هند" أننا لا نقرأ في كيفية التربية السليمة للأبناء والتي بالفعل تحتاج لثقافة وقراءة مثلما يفعل الأهل في الغرب فما أن تحمل الأم حتى تبدأ في الاشتراك في الدورات وشراء الكتب وتتبادل المعلومات التربوية مع الأب.. فهذا هو أسلوبهم بالتوارث والخبرة العامة وكل شىء.
احترمه أولاً
"إن فنية الحوار مع الأبناء من أهم الأسالب التربوية التي تسهم في بناء شخصية إيجابية وناجحة" هكذا تعلق وفاء أبو موسى -الأخصائية النفسية والخبيرة التربوية- على الفروق بين أساليب التربية موضحة أن فن الحوار هو بالفعل ما ينجح فيه أولياء الأمور في الدول المتقدمة، على العكس مما يحدث في بلادنا العربية.. فالأبناء يتربون بمفردهم لأن آبائهم مشغولون بلقمة العيش ومشغولون بمشاكل العالم الثالث الغير متناهية.
وعن كيفية إدارة حوار مع الأبناء تقول أبو موسى أن: هناك سلسلة إجراءات تربوية علينا اتباعها كآباء في حال أردنا أن نربي أبنائنا بشكل سليم، وهي كالتالي:
- التعامل مع الطفل معاملة "إنسان": أي له كيان وخصوصية واعتبار وتقدير.
- حسن الإصغاء: عندما نصغي للطفل بأذهاننا ووجداننا نمنحه الاهتمام والرعاية ويتعلم منا كيف يصغي للآخرين.
- التواصل مع الطفل وفق إمكانياته: علينا التواصل مع الطفل وفق ما يملك من إمكانيات عقلية واجتماعية وجسدية؛ ففي التواصل الجسدي مثلاً يفضل أن يكون ارتفاع المحاور هو نفس ارتفاع الطفل، والاتصال ليس بالكلمات فقط بل يكون بنظرات العين أيضا.
- وضوح الفكرة: عند التحاور مع الطفل يجب أن نقدم الفكرة المراد منقاشتها بوضوح بعيدا عن التهمزات والتلمزات (بدون لف ودوران)؛ وهذا أمر هام يكتسب الطفل من خلاله الطرق المستقيمة في الحوار حتى ولو كانت ضد موقفه الخاص.
- إظهار الاحترام في الحوار: أي توصيل مشاعر الاحترام للطفل كي يبادلك هذا الشعور ويكتسبه ويحاورك بأدب لأنك أظهرت له الاحترام الحقيقي وليس احترام مزيف، (وهنا أقصد أن تحترم بالفعل طفلك، ليس فقط تتقمص الاحترام لترى ردة فعله فقط فالطفل يدرك مشاعر من حولة بذكاء).
- لا تحاور طفلك وأنت غاضب؛ فانفعالات الغضب إن لم تُضبَط وضعت صاحبها في طريق ضيق، فتجعل طفلك ينفر منك ولا يتقبل أي نصيحة.
- التزم الحزم، والحزم هنا لا يعني القسوة، إنما هو أن تمتلك مبدأ واضح يراعي احتياجات طفلك التعليمية والاجتماعية، ويقوم على أسس تربوية سليمة، مثال: إذا قررت مثلاً أن يجلس طفلك قرابة النصف ساعة أمام التلفاز فلا تزد عن النصف ساعة ولو بدقيقة حتى يعتد منك الالتزام.
- عدم التمييز بين الأبناء: حاور أطفالك باهتمام بأسلوب واحد، ولا تحابي أحدهم على الآخر لأن الأول مطيع مثلاً والآخر عنيد.
- اختر الوقت المناسب لحوار طفلك فلا تحاوره أثناء انشغاله في لعبته المفضلة أو وقت يحتاج فيه للنوم أو الطعام.
- إذا طلب منك ابنك التحدث معك، رحب به واجلسه إلى جوارك، وحاول أن تترك ما في يدك إن أمكن وأجب على أسئلته باهتمام وأنت تنظر إليه وتبتسم في وجهه، فلهذا الاهتمام فعل السحر على شخصيته وطريقة استجابته لتعليماتك كأب أو كأم.
- كثير من الأمهات لا يعرفن كيف يتحاورن مع أبنائهن وسط انشاغلات اليوم الكثيرة، ولكن لابد أن تضع كل أم في جدول انشغالاتها وقتا للتحاور واللعب مع أبنائها كي ينشأوا بشكل سليم تربويا.. فهم يحتاجون للكلام معها مثلما يحتاجون للأكل والشرب الذي تعده.
- وعلى كل والد أن يضع فكرة احترام أبنائه أمام ناظريه، وبالتدريج سيتعود على معاملته كإنسان، وليس كدمية أو شىء ننفر وننهر في وجهه.
- وأهم شىء في فن التحاور مع الأبناء، ألا نهزأ من أسئلته أو آرائه مهما كانت تافهة، لأننا نشكل بردود أفعالنا تلك وجدانه والطريقة التي ينظر بها إلى نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق