الخميس، 1 أغسطس 2013

نفوسنا التى يجب ان تتغير أولا ..


كثيراً ما يحب الإنسان أن يبدأ حياته من جديد، فيقرن بدايته بصباح يتنفس بإشراقة نهار جديد يحمل بين نسماته الهادئة الكثير من الأمل أو يقرنها بليل يلفظ اليأس والكسل الذي فيه. يطرق التفكير طويلاً من أين يبدأ في إصلاح ذاته وتطويرها: عبادته، ايمانياته، ثقافته، عمله،دعوته، اجتماعياته… يلملم همته وينفض عنه غبار التثاقل يتوضأ بماء التفويض ويعزم المضي في الميدان وسط معترك الحياة المزدحم بالعقبات.

يمضي دون تخطيط ولا برامج، دون هدف واضح ولا محاسبة ويحسب أنه التوكل ويحسب أنه يسير على الطريق المستقيم الذي طالما ترنم به ويحسب أنها البدايات المحرقة التي لا بُد أن تكون نهاياتها مشرقة… يحمل الفوضى التي في نفسه وحياته ويمضي مثقلا..وما هي إلا أيام حتى يرجع لحزنه وعثراته وتقصيره هنا وهناك،رغم دبيب الحياة الذي تحرك فيه ورغم همته التي اشتعلت بداخله إلا أنه انهار سريعاً بعد خطوات قليلة وليتها كانت على الصراط المستقيم بل كان كمن يدور حول نفسه دون أن يتقدم خطوة واحدة للأمام وتخيل أنه قد تحرك للأمام!!إن التعميم وأخذ الأمور كلها محبط وله تأثير سلبي على الإنسان حتى في الإيمانيات وعلاقته مع ربه. والقصد هنا أن الداعية في أول الطريق ينطلق متحمساً وقد يكون متميزاً في باب من أبواب حياته كالعلم مثلاً ثم بعد التزامه وسيره في الدعوة تجده يُقصر في طلبه العلم لا لإهمال منه بل لحماسة زائدة في الدعوة وأما في باب الإيمانيات وعلاقته بربه فتجده يكثر الصوم، الذكر، والصدقة بعد الفرائض حتى يكون كالمنبت الذي حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. فلا نريد أن نكون كالمنبت بل نريد السير بخطى ثابتة ولو كانت بطيئة وما الشجاعة إلا صبر ساعة فهيا نعيد ترتيب حياتنا من جديد.
من صَلُحت بدايته صَلُحت نهايته
إن صحة المنطلق هي الأساس في المسار الصواب في الطريق المستقيم وتبدو صحة المنطلق في استحضار النية وتحقيق الإخلاص والتوجه بالأعمال كلها لله وحده وطلب الأجر منه وحده وعدم الالتفات إلى الناس. قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }البينة5
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
والقاعدة تقول: من صحت بدايته استقامت طريقه وصحت نهايته. ومن فسدت بدايته اعوجت طريقه وساءت نهايته. أما الشاعر فيقول:
وكل امرئٍ – والله بالناس عالم- *** له عادة قامت عليها شمائله
تعوّدها فيما مضى من شبابه *** كذلك يدعو كل أمر أوائله
وقال علماءنا قديماً: (الفترة بعد المجاهدة من فساد الإبتداء). لكن الإيمان يزيد وينقص وكذلك الهمم تفتر فكيف نثبت على الطريق رغم العقبات والأزمات؟ لقد منحنا الشيخ المربي محمد أحمد الراشد الجواب لنتخذه شعارًا عملياً وقد لخصه البحتري في قوله: (نفس تضيئ وهمة تتوقد) إذن هما جناحان لا تحلق أيها الفارس إلا بهما. أما قصده في قوله النفس المضيئة فهي:
1. النية الحرة: ومعناها النية الصالحة فالنفس المضيئة هي تلك التي احتوت نية صافية تنير بما يكون لها في هذا الصفاء فهي حرة من الأهواء والأطماع والمصالح فلا درهم ولا دينار يشوبها ولا شهوة ولا مصلحة. فلا يصح للداعية المسلم الذي يريد القمة والتميز في الدارين أن تكون له سكنة أو حركة دون نية حرة. كان هشام بن عبد الملك يقول عن الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ( ما أحسب عمر خطا خطوة قط إلا وله فيها نية). لذا كان هذا التمييز والتجديد منه رحمه الله. فإن نيته كانت حرة وهمته كانت عالية. فاحرص على أن تكون لك نية في كل عمل صغر أو كبر فرب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية.
فقلبك قلبك..هو سر نجاحك. رتبه ولا تترك الفوضى فيه تعوم وكما قال مصطفى صادق الرافعي: (إن الخطأ الأكبر أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك).

2 بعد النية لا يكون إلا الهمة وبعد الهمة لا يوجد إلا الإتقان وإلا كنت أثقل ما يكون خطوًا ووجدت السراب عند العطش.ولا تترك همتك تدنو من الأرض وفتن الدنيا وشهواتها وملذاتها فإن نفسك تأبى إلا علواً كشعلة من النار يصوبها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعاً. وهذا الحديث يتناسق تناسق تاماً كاملاً مع قلبك ونيتك فإن ضعف الإرادة من ضعف القلب فاطلب معالي الأمور وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وانصب واتعب ولا تركن نفسك للأماني فتهلك.

علينا أن نسأل أنفسنا ما هو الجديد والتجديد الذي نريده في كافة مجالات الحياة الشاملة فإن الراحة للرجال غفلة كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه. وإنه استعلاء ثمنه التعب،وإن السيادة نهج واضح الوعر، وليس الأمر بالهين فحصل بعض التعب الذي تحمله عنك رسولك صلى الله عليه وسلم لتلحق به في الدار الآخرة. فإن بعد نور القلب لا يكون إلا الجد في الطلب. وبعد أن وضعت وحددت المبدأ الذي تنطلق منه بقوة وعزم عليك أن تجلس مع نفسك جلسة صدق مع الله تعالى تعيد فيها حساباتك وتقيم بها وضعك وترتب بها حياتك. ما الجديد الذي ستدخله عليها وما التجديد الذي ستقوم به على ما تملك؟ أي شيئ فيك ستبقي وأيها أنت في غير حاجة له؟ وهذه بعض النقاط المهمة في كل جانب:
1. علاقتك بالله سبحانه وتعالى:
• حافظ على صلاة الفرض في وقتها والأفضل مع الجماعة.
• حافظ على السنن الرواتب وهي 12 ركعة في اليوم.
• حافظ على ورد القرآن اليومي ولا ترض أن يكون أقل من جزء.
• اجعل لك ربع ساعة للتفكر وأفضل الأوقات التي يصفو بها الذهن قبل النوم أو بعد الفجر.
• حافظ على أذكار الصباح والمساء والأدعية كل في وقتها ومكانها.
• اجعل لك ورداً من التسبيح والتهليل والاستغفار والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام.
• حافظ على صلاة الضحى: أربع ركعات إن استطعت.
• لا تنم بعد الفجر وخصص هذا الوقت للتلاوة القرآن والأذكار.
• قم الليل ولو بركعتين والأفضل أن تعتاد تدريجياً أن تصحو ساعة قبل الفجر للقيام والدعاء والاستغفار لبركة هذا الوقت.
2. ذاتك:
• حدد هدفك ورسالتك في الحياة واكتب ذلك على ورقة وعلقها أمامك لتقرأها يومياً مرتين على الأقل.
• خطط لحياتك المستقبلية وفق هدفك ورسالتك وضع الخطوات التي ستقوم بها هذه السنة والسنوات القادمة وتذكر أنك كلما خططت بعمق ودقة وفهم واعي لمدة أطول كلما اتضحت لك الرؤية.
• سجل الأعمال والواجبات التي ستقوم بها يومياً بعد الفجر، حافظ على أن تدون ذلك في يومياتك.
• حافظ على الأوليات في أعمالك، الأهم فالمهم.
• تفرس في ذاتك واعرف مهاراتك المميزة وحاول تطويرها.
• دون في مذكرة خاصة سمها: قصة نجاحي مذكراتك اليومية واكتب إنجازاتك على الجهة اليمين وأخطاءك التي قمت بها على الجهة اليسار وراجع هذه المذكرة أسبوعياً. كافئ نفسك على الإنجاز والنجاح وعاقب نفسك ولمها على الأخطاء.
• سجل في مذكراتك “قصة نجاحي” نقاط القوة فيك ونقاط الضعف وضع الخطط للتطوير نقاط القوة فيك والتغلب على نقاط الضعف فيك.
• إن كنت طالباً فاجتهد في تحصيل نتائج رائعة في دراستك التي تحبها، وإن كنت عاملاً فاجتهد أن تتقن عملك وتبدع فيه.
• حافظ على المشي بشكل يومي ويُفضل أن يكون صباحاً بوقت مبكر أو مساءًا قبيل المغرب.
• خاطب نفسك بإيجابية دائماً.
• روح عن نفسك بين وقت وآخر بنزهة أسبوعية على الأقل لتخفف عن نفسك ضغوطات الحياة وتهرب قليلا من زحامها.
• قم بإعداد خطة للقراءة والمطالعة اليومية واحرص على أن تهني كتاب كل أسبوعين مثلاً، حتى تستفيد من قراءتك أضف ملاحظاتك على هوامش الكتاب واقتبس منه بعض الجمل أو الدروس التي تعلمتها واكتبها في “قصة نجاحك” . ونوع في قراءتك لتزيد من معرفتك وثقافتك في كافة المجالات الحياتية.
• استمع للأخبار يومياً وأقرأ الصحف الأسبوعية التي تفضلها حتى تكون على معرفة بما يحدث من حولك من مستجدات محلياً وعالمياً.
3.علاقاتك الاجتماعية:
• ارضِ والديك وبرهما قدر استطاعتك.
• تقرب إلى أسرتك واجلس معهم يومياً واستمع إلى أخبارهم وشاركهم أحوالك.
• صِل رحمك ولو لم يتيسر لك زيارتهم، اتصل بهم أو راسلهم.
• طور علاقتك بأصدقائك وخص منهم من ترتاح له وتسعد بقضاء الوقت معه باهتمام أكثر ليكون أقرب الناس إليك وأكثرهم تفهماً لك. يعينك على دينك ودنياك ويكون مرآتك أينما توجهت.
• تودد إلى من تلاقي من الناس بالكلمة الطيبة واعلم أن أنجح العلاقات تلك التي لا إفراط فيها ولا تفريط أي التي لا تحتاج فيها أن تتلون وتتكلف في الحديث بل تكون عفوياً بسيطاً لا ينطق إلا الصدق ويدفع بالتي هي أحسن.
• لاقي الناس جميعاً بابتسامتك.
• تقبل أخطاء غيرك وغض الطرف عنها من باب الصفح والإحسان لا من باب الرصد والعد عليهم لمقابلتهم بها يوماً وردها جميعاً أياماً.
• استمع إلى من يحدثك ولا تتكلم إلا حين ينتهي فإن ذلك من حسن الحوار وآدابه.
• أخبر من تحب أنك تحبه وانصح من ترى فيه سلبية معينة سرًا ولا تفضحه علنًا.
• اهد من تحب ومن تعرف بهدية يحبها من وقت لآخر فإن الهدية مهما قل ثمنها ترقق القلب.
4. دعوتك:
• طالع كتب الدعوة وسير الصحابة وارتو من نبع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو قدوتك.
• ابحث عن شيخ ثقة تتلقى العلم عنه والتربية.
• احضر مجلس علم مرة أسبوعياً.
• عود نفسك ودربها على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل وقت وفي كل مكان بالأسلوب الذي يناسب كل منهما.
• شارك ببعض المنتديات الإسلامية فإن ذلك سبيل للدعوة يسير وفيه الأجر الوفير والاستفادة الكبيرة. وطالع بعض المواقع الإسلامية الدعوية لتكن على اطلاع دائم وعلم واسع.
• شارك في الفعاليات العامة التي تقيمها الحركة الإسلامية القطرية والفعاليات التي تقيمها الحركة الإسلامية المحلية في بلدك.
• مارس دعوتك في بيتك وطبق علمك على نفسك أولا ثم الأقرب فالأقرب.
• اعتلِ السلم درجة ثم الأخرى وأول الدرجات الانضمام إلى الدورات التربوية الحركية.
• نوع في أساليب الدعوة ما بين خطب ووعظ، كلمة طيبة ونصح في السر، إهداء لشريط، مراسلة، مخاطبة بالسر..
• تطوع في أحد المجالات التي تتميز بها مثلاً: إن كنت متميز علمياً فيمكنك التطوع في إحدى المراكز للبحث العلمي. إن كنت تتميز في الحاسوب فعلم عدداً من الطلاب كيفية استخدامه وبهذه الطريقة أي التطوع تطور ذاتك في مجال تميزك وتعطي فيه وتبدع لتصل به إلى مرحلة التخصص.
• علم نفسك فعل الخيرات وسابق فيها من حولك ولا تستصغرها فرب عمل صغير تستحقره يدخلك الجنان ورب عمل كبير تستعظمه فيدخلك النار والعياذ بالله.
وفي الختام،
احمد الله أن جعلك من أهل الصفوة على علم ووعي وبصيرة. وكن على إدراك بهذا الذي جئناك به فإنك من بعد الآن مسؤول عنه بين يدي الله فهذه الجادة فأين السالك؟ وها نحن نقولها لك ونعيدها عليك: عرفت فالزم… عرفت فالزم!!
منذ اليوم أنت إنسان جديد، يملأ الأمل قلبك والفرحة وجهك ويداك تتوق للعمل ورجليك للسعي والتعب والنصب. كيف لا تكون من الأخيار وأنت حبيب الله..كيف لا وقدوتك نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه فهلا زاحمت الصحابة لتسعد برفقته؟ فيال الروعة ويا للرهبة ويا الجد!!
انطلق أيها الضعيف الجبار.ثق بنفسك وتوكل على ربك ..وانطلق بقوة لتخط قصة نجاحك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق